قوله تعالى: {الرَّحْمنُ. علَّم القُرآنَ} قال مقاتل: لمّا نزل قوله: {اسْجُدوا للرَّحْمنِ} [الفرقان: 60] قال كُفّار مكَّةَ: وما الرَّحْمنُ؟! فأَنكروه وقالوا: لا نَعرِفُ الرحْمنَ، فقال تعالى: {الرَّحْمنُ} الذي أَنكروه هو الذي {علَّم القُرآنَ}.وفي قوله: {علَّم القُرآنَ} قولان:أحدهما: علَّمه محمداً، وعلَّم محمدٌ أُمَّته قاله ابن السائب.والثاني: يسَّر القرآنَ، قاله الزجّاج.قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسانَ} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: أنه اسم جنس، فالمعنى: خلق الناسَ جميعاً، قاله الأكثرون. فعلى هذا، في {البيان} ستة أقوال.أحدها: النُّطق والتَّمييز، قاله الحسن. والثاني: الحلال والحرام، قاله قتادة. والثالث: ما يقول وما يُقال له، قاله محمد بن كعب. والرابع: الخير والشر، قاله الضحاك. والخامس: طُرق الهُدى، قاله ابن جريج. والسادس: الكتابة والخط، قاله يمان.والثاني: أنه آدم، قاله ابن عباس، وقتادة. فعلى هذا في {البيان} ثلاثة أقوال. أحدها: أسماء كل شيء. والثاني: بيان كل شيء. والثالث: اللّغات.والقول الثالث: أنه محمد صلى الله عليه وسلم، علَّمه بيانَ ما كان وما يكون، قاله ابن كيسان.قوله تعالى: {الشَّمْسُ والقمرُ بحُسْبانٍ} أي بحساب ومنازل، لا يَعْدُوانها؛ وقد كشَفْنا هذا المعنى في [الأنعام: 96]. قال الأخفش: أضمر الخبر، وأظُنُّه والله أعلَمُ أراد: يَجريان بحُسبان.قوله تعالى: {والنَّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ} في النَّجْم قولان. أحدهما: أنه كُلُّ نَبْتٍ ليس له ساق، وهو مذهب ابن عباس، والسدي، ومقاتل، واللُّغويين. والثاني: أنه نَجْم السَّماء، والمُراد به: جميعُ النُّجوم، قاله مجاهد. فأمّا الشَّجَرَ: فكُلُّ ما له ساق. قال الفراء: سُجودهما: أنَّهما يستقبِلان الشمسَ إذا أشرقت، ثم يَميلان معها حتى ينكسر الفَيْئ. وقد أشرت في [النحل: 49] إلى معنى سُجود مالا يَعْقِل. قال أبو عبيدة: وإنّما ثني فعلهما على لفظهما.قوله تعالى: {والسماءَ رفَعَها} وإنما فعل ذلك ليحيا الحيوان وتمتدَّ الأنفاس، وأجرى الرِّيح بينها وبين الأرض، كيما يتروحَ الخَلق. ولولا ذلك لماتت الخلائق كَرْباً.قوله تعالى: {ووَضَعَ الميزانَ} فيه ثلاثة أقوال:أحدها: أنه العَدْل، قاله الأكثرون. منهم مجاهد والسدي واللغويون. قال الزجّاج: وهذا لأن المعادلة: مُوازَنة الأشياء.والثاني: أنه الميزان المعروف، ليتناصف الناس في الحقوق، قاله الحسن، وقتادة، والضحاك.والثالث: أنه القرآن، قاله الحسين بن الفضل.قوله تعالى: {ألاَّ تَطْغَوْا} ذكر الزجّاج في {أنْ} وجهين.أحدهما: أنها بمعنى اللام؛ والمعنى: لئلاّ تَطْغَوْا.والثاني: أنها للتفسير، فتكون {لا} للنهي؛ والمعنى: أي: لاتَطْغَوْا، أي لا تُجاوِزوا العَدْل.قوله تعالى: {ولا تُخْسِروا الميزان} قال ابن قتيبة: أي لا تنقصوا الوزن.فأمّا الأنام، ففيهم ثلاثة أقوال:أحدها: أنهم الناس، رواه عكرمة عن ابن عباس.والثاني: كل ذي رُوح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وقتادة، والسدي، والفراء.والثالث: الإنس والجن، قاله الحسن، والزجّاج.قوله تعالى: {فيها فاكهةٌ} أي، ما يُتفكَّه به من ألوان الثمار {والنَّخْلُ ذاتُ الأكمام} والأكمام: الأوعية والغُلُف؛ وقد استوفينا شرح هذا في [حم السجدة: 47].قوله تعالى: {والحَبُّ} يريد: جميع الحبوب، كالبُر والشعير وغير ذلك. وقرأ ابن عامر: {والحَبَّ} بنصب الباء {ذا العصف} بالألف {والرَّيْحانَ} بنصب النون. وقرأ حمزة، والكسائي إلاّ ابن أبي سُريج، وخلف: {والحَبُّ ذو العَصْفِ والرَّيْحانِ} بخفض النون؛ وقرأ الباقون بضم النون.وفي {العَصفْ} قولان:أحدهما: أنه تِبن الزَّرع وورقه الذي تعصفه الرِّياح، قاله ابن عباس. وكذلك قال مجاهد: هو ورق الزَّرع. قال ابن قتيبة: العَصْف: ورق الزَّرع، ثم يصير إذا جفَّ ويبِس ودِيس تبناً.والثاني: أن العَصْف: المأكول من الحبِّ، حكاه الفراء.وفي {الرَّيْحان} أربعة أقوال.أحدها: أنه الرِّزق، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي. قال الفراء: الرَّيْحان في كلام العرب: الرِّزق، تقول: خرجنا نطلُب رَيْحان الله، وأنشد الزجاج للَّنمِر بن تَوْلب:سلامُ الإلهِ ورَيْحانُه *** ورَحْمَتُه وسَماءٌ دِرَرْوالثاني: أنه خُضرة الزَّرع، رواه الوالبي عن ابن عباس. قال أبو سليمان الدمشقي: فعلى هذا، سُمِّي رَيْحاناً، لاستراحة النَّفْس بالنظر إِليه.والثالث: أنه رَيحانكم هذا الذي يُشَمُّ، روى العوفي عن ابن عباس قال: {الرَّيْحان} ما أَنبتت الأرضُ من الرَّيْحان، وهذا مذهب الحسن، والضحاك، وابن زيد.والرابع: أنه ما لم يؤكل من الحَبّ، والعَصْف: المأكول منه، حكاه الفراء.قوله تعالى: {فبأيِّ آلاءِ ربِّكما تُكذِّبانِ} فإن قيل: كيف خاطب اثنين، وإنما ذكر الإنسان وحده؟ فعنه جوابان ذكرهما الفراء.أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بيَّنّا في قوله: {أَلقِيا في جهنَّمَ} [ق: 24].والثاني: أن الذِّكر أريد به الإنسان والجانّ، فجرى الخطاب لهما من أول السورة إلى آخرها. قال الزجاج: لمّا ذكر اللهُ تعالى في هذه السورة ما يدُلُّ على وحدانيته من خَلْق الإنسان وتعليم البيان وخَلْق الشمس والقمر والسماء والأرض، خاطب الجن والإنس، قال: {فبأيِّ ألاءِ ربِّكما تُكذِّبانِ} أي: فبأيِّ نِعَم ربِّكما تُكذِّبان من هذه الأشياء المذكورة، لأنها كلَّها مُنْعَم بها عليكم في دلالتها إيّاكم على وحدانيَّته وفي رزقه إيّاكم ما به قِوامكم. وقال ابن قتيبة: الآلاء: النِّعم، واحدها: أَلاً، مثل: قفاً، وإِلاً، مثل: مِعىً.